تخطى إلى المحتوى

هل المخدرات تغير كيمياء المخ؟ 

يُعد الدماغ البشري هو أكثر الأعضاء تعقيدًا في الجسم، فهو المسئول عن جميع الأنشطة البشرية سواء لقيادة السيارة، أو الاستمتاع بوجبة، أو للتنفس، أو للابداع، أو الاستمتاع بممارسة الأنشطة اليومية، إذ ينظم الوظائف الأساسية في الجسم، ويشكل سلوك الإنسان، ولكن عندما تقتحم المخدرات المخ، ينقلب رأساً على عقب، فهل المخدرات تغير كيمياء المخ؟

هل المخدرات تغير كيمياء المخ؟

تلعب العُقد القاعدية دورًا هاماً في أشكال الدافعية الإيجابية، بما في ذلك التأثيرات الممتعة للأنشطة الصحية مثل الأكل، والتواصل الاجتماعي، والجنس.

كما تشارك أيضًا في تكوين العادات، والروتين، وتشكل هذه المناطق عقدة أساسية فيما يُسمى أحيانًا بـ “دائرة المكافأة” في الدماغ.

تنشط المخدرات هذه الدائرة تنشيطاً مفرطاً، مما يؤدي إلى الشعور بالنشوة، ولكن مع التعرض المتكرر للمخدرات، تتكيف هذه الدائرة مع وجود المخدر، فتنخفض حساسيتها، ويصبح من الصعب الشعور بالمتعة من أي شيء آخر غير المخدر.

تلعب اللوزة الدماغية الممتدة دورًا في المشاعر المرهقة مثل القلق، والتهيج، والشعور بعدم الارتياح، وهي مشاعر تُميز أعراض الانسحاب بعد زوال مفعول النشوة، مما يدفع الشخص للبحث عن المخدر مرة أخرى.

وتصبح هذه الدائرة أكثر حساسية مع زيادة تعاطي المخدرات، ومع مرور الوقت، يصبح المتعاطي مصاباً بالإدمان، ويرغب في استخدام المخدرات للحصول على راحة مؤقتة من هذا الانزعاج بدلاً من استخدامها للشعور بالنشوة.

وتُعد قشرة الفص الجبهي مسؤولة عن القدرة على التفكير، والتخطيط، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتحكم في الدوافع.

وتُعد أيضًا آخر جزء من الدماغ ينضج، مما يجعل المراهقين الأكثر عرضة للخطر، ويسبب اختلال التوازن بين هذه الدائرة، ودائرتي العُقد القاعدية، واللوزة الدماغية الممتدة بسبب تعاطي المريض الذي  يسعى وراء المخدر سعياً قهرياً مع ضعف السيطرة على اندفاعاته.

بعض المخدرات تغير كيمياء المخ مثل المواد الأفيونية بل وتؤثر على أجزاء أخرى من الدماغ مثل جذع الدماغ الذي يتحكم في الوظائف الأساسية الضرورية للحياة، بما في ذلك معدل ضربات القلب، والتنفس، والنوم، مما يفسر تأثير الجرعات الزائدة في إبطاء التنفس، والوفاة.

آلية عمل المخدرات في المخ

تتداخل المخدرات مع طريقة إرسال، واستقبال، ومعالجة الخلايا العصبية للإشارات عبر الناقلات العصبية، إذ تستطيع بعض أنواع المخدرات مثل الماريجوانا والهيروين تنشيط تنشيط الخلايا العصبية من خلال تركيبها الكيميائي الذي يشبه تركيب الناقل العصبي الطبيعي في الجسم.

وهذا يسمح لها بالارتباط بالخلايا العصبية وتنشيطها، وعلى الرغم من أن هذه المخدرات تُحاكي المواد الكيميائية الخاصة بالدماغ، إلا أنها لا تُنشّط الخلايا العصبية بنفس الطريقة التي يقوم بها الناقل العصبي الطبيعي، مما يؤدي إلى إرسال رسائل غير طبيعية عبر الشبكة العصبية.

المخدرات تغير كيمياء المخ مثل الأمفيتامين أو الكوكايين، بل وقد تتسبب في إفراز كميات غير طبيعية، وكبيرة من الناقلات العصبية الطبيعية

ليس ذلك فحسب، بل قد تمنع عملية إعادة تدوير هذه المواد الكيميائية الدماغية بشكل طبيعي من خلال التدخل في عمل النواقل العصبية، مما يؤدي إلى تضخيم أو اضطراب التواصل الطبيعي بين الخلايا العصبية.

ما هي أعراض تغير كيمياء المخ؟

يسبب تعاطي المخدرات تأثيرات فورية، وأخرى طويلة المدى على شبكات الدماغ التي تؤثر في السلوك، والذاكرة، والإدراك.

فبعد فترة قصيرة من التعاطي، قد تشمل التأثيرات تغيّرًا في الوعي، وضعف الذاكرة، والشعور بالنشوة، وتشتت الانتباه، وتغيّر الحكم على الأمور.

بينما على المدى الطويل، قد يؤدي التعاطي إلى اختلالات في مجالات إدراكية متعددة، بما في ذلك الذاكرة، والانتباه، والوظائف التنفيذية.

نعرف أن المخدرات تغير كيمياء المخ حتى يعاني المرضى من مشكلات إدراكية، وسلوكية ناتجة عن آليات غير مباشرة مرتبطة بالإدمان مثل إصابات الرأس، والعدوى، وسوء التغذية، وتأثيرات تعاطي عدة مواد مخدرة سوياً، ومن أهم هذه التأثيرات:

  • الكوكايين

قد يؤدي إدمان الكوكايين إلى الإصابة بجنون العظمة الحاد أو المزمن، وقصر مدى الانتباه، وضعف الذاكرة العاملة، والبصرية، واللفظية، كما قد يؤدي الاستخدام المزمن إلى ضعف كبير في الوظائف الإدراكية.

  • الإكستاسي (MDMA)

قد يسبب إدمان مادة الإكستاسي الارتباك، وتشوه الإدراك، وفرط النشاط، وضعف الذاكرة على المدى القصير والطويل، وضعف الوظائف البصرية-المكانية.

  • الأمفيتامينات

قد تسبب الأمفيتامينات هياجًا نفسيًا، وحركيًا، وكثرة الكلام بشكل مضغوط، ويقظة مفرطة، كما قد يسبب سوء استخدامها تغييرات في بنية الدماغ التي تؤثر سلبًا على تنظيم المزاج، وتزيد من خطر الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية بما في ذلك الذهان، والقلق، واضطرابات المزاج.

ويرتبط الاستخدام المزمن للأمفيتامينات بضعف في بعض المهارات الإدراكية مثل التعرف على الأنماط، والطلاقة اللفظية، وغيرها.

  • الميثامفيتامين

قد يؤدي سوء استخدام الميثامفيتامين أنواعًا معينة من إصابات الدماغ، وضعف الإدراك مثل الذاكرة، والانتباه، ومهارات اتخاذ القرار. 

وتشمل العجز الإضافي أيضًا مشكلات مرتبطة بالذاكرة، والانتباه، والوظائف التنفيذية، وقد تشمل الآثار طويلة المدى الذهان، والهلوسة، وجنون العظمة، والحركات المتكررة.

بالإضافة إلى أن المخدرات تغير كيمياء المخ وبنيته، ووظيفته، وزيادة التشتت، والسلوك العدواني أو العنيف، واضطرابات المزاج.

  • المخدرات تغير كيمياء المخ | الحشيش

قد تشمل الآثار السلبية لإدمان الحشيش الاكتئاب، والشعور بعدم الارتياح، والأوهام بجانب ضعف الانتباه، والذاكرة، والإحساس بالوقت. 

ويرتبط الاستخدام المزمن طويل المدى أيضًا باضطرابات إدراكية نفسية متنوعة مثل ضعف الوظائف التنفيذية، والتعلم، واتخاذ القرارات، والمخاطرة.

ويُعد تعاطي الماريجوانا في سن المراهقة أمرًا مقلقًا، إذ قد يؤدي التعاطي مرة واحدة أسبوعيًا في هذه المرحلة إلى اختلالات إدراكية-عصبية طويلة المدى، مما يؤدي خطر ضعف نمو الدماغ.

كيفية علاج تأثير المخدرات على الجهاز العصبي؟

استكمالاً لحديثنا عن المخدرات تغير كيمياء المخ، فتمتلك عقولنا قدرة مذهلة على التكيّف، والتعافي حتى بعد فترات طويلة من الإدمان.

ويستمر الدماغ في إنتاج الخلايا العصبية، والمسارات العصبية طوال حياتنا، وتسمى قدرته على التكيف، والتغيير المرونة العصبية التي تسمح للدماغ بالتعديل، والنمو، وإعادة التنظيم بعد الإدمان.

لكن، يحتاج الدماغ إلى وقت للشفاء، وإصلاح نفسه، إذ تعتمد مدّة التعافي غالبًا على نوع المادة المخدرة، وحجم الضرر، وبعض الأضرار المرتبطة بالإدمان قد لا تستطيع إعادتها لطبيعتها.

ولكي يبدأ الدماغ في التعافي، يجب أن يكون خاليًا من المادة المخدرة أو أن تكون كميتها قليلة، إذ يوجد مجموعة متنوعة من تقنيات العلاج النفسي لدعم المرضى في الإقلاع عن الإدمان.

وقد يستغرق إزالة السموم من الجسم من بضعة أيام إلى عدة أسابيع، وذلك حسب:

  • نوع المادة المستخدمة.
  • الكمية، وعدد مرات الاستخدام، ومدّته.
  • صحتك الجسدية، والنفسية.
  • طريقة الإقلاع عن التعاطي.

كما تتوافر أدوية لبعض المواد للمساعدة في دعم عملية إزالة السموم من الجسم، كما يمكنك تحسين صحة الدماغ، والجهاز العصبي من خلال:

  • ممارسة الرياضة بانتظام

تزيد الرياضة من حجم الحُصين الذي يتأثر بالإدمان بجانب فائدتها للصحة النفسية، والجسدية.

  • ممارسة اليقظة الذهنية

يمكننا عكس الآية التي تتحدث عن أن المخدرات تغير كيمياء المخ من خلال ممارسة اليقظة الذهنية التي تساعد على تقوية الدوائر العصبية التي تضررت بسبب الإدمان.

  • اتباع نظام غذائي متوازن

 تعويض النقص في الفيتامينات، والمعادن الذي يحدث عادةً مع تعاطي المخدرات.

  • النوم المنتظم

يتخلص الدماغ من السموم أثناء النوم، ويساعد الالتزام بعادات نوم صحية على الإسراع في عملية التعافي.

متى تعود كيمياء المخ لطبيعتها بعد التعافي من الإدمان؟

لا يمكن إنكار أن المخدرات تغير كيمياء المخ، ولكن يُعد علم الأعصاب في مجال التعافي من الإدمان مجالًا واعدًا من مجالات البحث الحديثة.

يوجد أدلة تشير إلى تعافي الدماغ مع مرور الوقت؛ إذ يصبح نشاط دماغ المريض أقل بعد شهر واحد من التوقف عن الإدمان.

ويبدأ الدماغ في العودة إلى طبيعته بعد 14 شهراً، وتتمكّن مستويات ناقلات الدوبامين في مركز المكافأة في الدماغ من العودة إلى مستوى شبه طبيعي في الأداء.

الخلاصة

المخدرات تغيّر كيمياء المخ، وتجعل المزاج متقلباً، وقادرة على قلب موازين كيمياء الدماغ بالكامل، فمع كل جرعة جديدة، تُعاد برمجة دوائر المكافأة، والتحكم، والإدراك بطريقة تضعف الإرادة، وتزيد من التبعية حتى تتحول المتعة الزائفة إلى معاناة حقيقية حين يفقد الدماغ قدرته الطبيعية على التوازن، والعمل بكفاءة، ولكن يمتلك الدماغ قدرة مذهلة على التعافي بمرور الوقت إذا توقف المريض عن الإدمان؛ لحماية عقله، واستعادة حياته بعد التعافي.

المصادر

arArabic