تخطى إلى المحتوى

هل اضطراب كرب ما بعد الصدمة مرض يصاحبك حتى الموت؟

عانى القناص الأمريكي “كريس كايل” في فيلم American Sniper من قسوة ساحات القتال، فبعد عودته من الخدمة العسكرية، يواجه كريس كوابيس متكررة، وانفعالات حادة، لما يعرف باضطراب كرب ما بعد الصدمة، ومن هنا تنبع أهمية التوعية بهذا الاضطراب النفسي، وكيف يمكن للعلاج، والدعم أن يعيدا الأمل لمن يعانون منه.

ما هو اضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

هو مرض نفسي، يتطور لدى بعض الأشخاص الذين مرّوا بحادث صادم أو مخيف أو خطير، مثل الحروب القتالية، أو العنف الأسري، والإساءة، أو الكوارث الطبيعية، أو التعرض لأعمال عنف جماعي، أو التنمر أو فقدان أحد المقربين، ويهدد حياة المريض العضوية، والنفسية، وقد تصيب أي شخص مهما كان عمره، فكيف نحتوي هذا المرض، هذا ما سنعرفه في السطور التالية.

ما أنواع اضطراب ما بعد الصدمة؟

يوجد نوعان من اضطراب كرب ما بعد الصدمة، وهما:

  •  اضطراب التوتر الحاد

هو حالة صحية نفسية قصيرة المدى، قد تحدث خلال الشهر الأول بعد التعرض لحادث صادم، وإذا استمرت الأعراض لأكثر من أربعة أسابيع، فقد تستوفي معايير تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة.

  • اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (CPTSD)

هو حالة صحية نفسية، قد تتطور نتيجة التعرض لصدمة مزمنة أي طويلة الأمد مثل:

  • الإساءة الجسدية أو الجنسية طويلة المدى للأطفال.
  • العنف الأسري المستمر.
  • الحروب.

غالباً ما يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ما بعد الصدمة المعقد من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بجانب مشكلات واسعة في تنظيم العواطف، والإحساس بالذات، والعلاقات مع الآخرين.

ما أسباب اضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

يمر حوالي 61% إلى 80% من الأشخاص بحادث صادم في مرحلة ما من حياتهم، ويتطور اضطراب ما بعد الصدمة لدى حوالي 5% إلى 10% من هذه الفئة.

وتبعاً لهذه النسب، ليس واضحاً سبب تطور الحالة لدى بعض الأشخاص عن غيرهم، ولكن أظهرت بعض الدراسات أن المصابين باضطراب ما بعد الصدمة لديهم مستويات غير طبيعية من بعض الناقلات العصبية، والهرمونات بجانب معاناتهم من تغيرات في الدماغ.

  • التغيرات في الناقلات العصبية والهرمونات

تُظهر الدراسات أن الأشخاص المصابين باضطراب كرب ما بعد الصدمة لديهم مستويات طبيعية إلى منخفضة من الكورتيزول، ومستويات مرتفعة من عامل إفراز الكورتيكوتروبين على الرغم من استمرار التوتر.

يقوم الكورتيكوتروبين بتحفيز إفراز النورإيبينفرين، مما يؤدي إلى زيادة استجابة الجهاز العصبي التي تُعرف بـ “القتال أو الهروب” التي تؤدي إلى زيادة في:

  • معدل ضربات القلب.
  • ضغط الدم.
  • اليقظة، والاستجابة للفزع.

بالإضافة إلى ظهور بعض الدراسات التي أثبتت تغيرًا في عمل أنظمة ناقلات عصبية أخرى، بما في ذلك:

  • حمض غاما-أمينوبيوتيريك (GABA).
  • الغلوتامات.
  • السيروتونين.
  • التغيرات في الدماغ

يرتبط اضطراب كرب ما بعد الصدمة بتغيرات في وظائف، وتشريح الدماغ، وتشمل:

  • انخفاض حجم الحُصين (Hippocampus) الذي يُعد جزءًا من الدماغ، وينظم الدافعية، والعاطفة، والتعلم، والذاكرة.
  • زيادة فرط نشاط اللوزة الدماغية (Amygdala) المسؤولة عن معالجة العواطف، والاستجابات للخوف.
  • صغر حجم، وقلة استجابة القشرة الجبهية الأمامية الوسطى (Medial Prefrontal Cortex) التي تتحكم جزئيًا في الاستجابات العاطفية للوزة الدماغية.

ما أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

تشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بشكل عام:

  • الكوابيس، واسترجاع الذكريات.
  • سرعة الانفعال، ونوبات الغضب.

لكي يشخص الطبيب المريض باضطراب ما بعد الصدمة، يجب أن تستمر الأعراض لأكثر من شهر، وأن تسبب ضيقًا كبيرًا حتى يصبح من الصعب على المريض ممارسة مهامه اليومية، وتنقسم الأعراض إلى أربع فئات:

1. التطفل

  • أفكار متطفلة مثل ذكريات متكررة، ولاإرادية.
  • كوابيس.
  • استرجاع ذكريات الحدث الصادم التي قد تكون شديدة الوضوح، وتشعر وكأنها حقيقية.

2. التجنّب

  • تجنب التذكير بالحادث الصادم مثل الأشخاص، والأماكن، والأنشطة، والأشياء، والمواقف.
  • تجنب تذكّر أو التفكير بالحادث الصادم.
  • تجنب التحدث عما حدث أو عن مشاعرك تجاهه.

3. التغيرات في التفكير والمزاج

  • شعور دائم بالخوف أو الرعب أو الغضب أو الذنب أو الخزي.
  • فقدان الذاكرة لبعض الجوانب المهمة من الحادث الصادم.
  • استمرار الأفكار، والمشاعر السلبية، والمشوهة عن نفسك أو عن الآخرين.
  • تؤدي الأفكار المشوهة عن سبب أو نتائج الحادث  إلى إلقاء اللوم على نفسك أو على الآخرين بشكل خاطئ.
  • الشعور بالانفصال عن الآخرين.
  • فقدان الاستمتاع بالأنشطة التي كنت تستمتع بها سابقًا.
  • عدم القدرة على الاستجابة مع المشاعر الإيجابية.

4. التغيرات في الاستثارة وردود الفعل

  • سرعة الانفعال، ونوبات الغضب.
  • سلوك متهور أو مدمر للذات.
  • فرط اليقظة، ومراقبة المحيط بشكل مبالغ فيه.
  • سهولة الفزع.
  • مشكلات في التركيز أو النوم.

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال

قد يواجه الأطفال صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو قد يكونون مروا بصدمة لم يكونوا على علم بها، وقد يظهرون كأنهم مضطربون أو كثيرو الحركة أو يجدون صعوبة في التركيز، والتنظيم.

قد يحدث خلط بين هذه الأعراض، وأعراض اضطراب فرط الحركة، وتشتت الانتباه (ADHD)، ولهذا من المهم عرض الطفل على أخصائي لديه خبرة في تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة.

ما مضاعفات اضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

تُعد الحالات المرضية التالية شائعة بين الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، وقد تؤدي إلى تفاقم أعراضه إذا أهمل المريض علاجه:

  • التقلبات المزاجية.
  • اضطراب القلق العام.
  • حالات عصبية، بما في ذلك الخرف.
  • إدمان المخدرات، والكحول.

كما يصبح الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة أكثر عُرضة من غيرهم للأفكار الانتحارية، ومحاولة الانتحار في أي وقت.

ما عوامل الخطر للإصابة باضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

لا توجد طريقة للتنبؤ بمن سيُصاب باضطراب ما بعد الصدمة بعد حادث صادم، ولكن هذا الاضطراب أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين مرّوا بـ:

  • أنواع معينة من الصدمات، وخاصة القتال العسكري أو الاعتداء الجنسي.
  • صدمات خلال مرحلة الطفولة.
  • إصابة جسدية أثناء الحادث.
  • الشعور بالرعب أو العجز أو الخوف الشديد وقت الحادث.
  • نقص الدعم الاجتماعي بعد الحادث الصادم.
  • الصدمات المستمرة أو المتكررة.
  • الإصابة بحالات صحية نفسية و/أو تعاطي المواد.

كيفية تشخيص اضطراب كرب ما بعد الصدمة

لا يوجد اختبار محدد لتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة، ولكن يقوم الطبيب النفسي بالتشخيص بعد السؤال عن:

  • الأعراض التي يعاني منها المريض.
  • التاريخ الطبي العائلي للمريض خاصةً الصحة النفسية.
  • هل يعانى المريض من أمراض نفسية أخرى؟
  • التعرض لحادث صادم.

قد يكون من الصعب التحدث عن التجربة الصادمة، وقد ترغب في اصطحاب شخص مقرّب منك إلى الموعد المحدد لدى الطبيب طلباً للدعم، والمساعدة في تقديم تفاصيل عن الأعراض، والتغيرات في سلوكك.

ولكي يتم تشخيصك باضطراب ما بعد الصدمة، يجب أن تكون لديك الأعراض التالية لمدة لا تقل عن شهر واحد:

  • عرض واحد على الأقل من أعراض التطفل.
  • عرض واحد على الأقل من أعراض التجنّب.
  • عرضان على الأقل من أعراض التفكير، والمزاج.
  • عرضان على الأقل من أعراض الاستثارة، وردود الفعل.

قد يجري الطبيب أيضاً فحص بدني، وطلب بعض التحاليل مثل تحاليل الدم؛ لمعرفة ما إذا كانت هناك حالات عضوية قد تكون سبباً في بعض الأعراض.

ما أفضل خطة علاجية لاضطراب ما بعد الصدمة؟

يُعد العلاج النفسي هو العلاج الأساسي لاضطراب كرب ما بعد الصدمة خاصةً العلاج السلوكي المعرفي.

يُجرى الطبيب أو الأخصائي النفسي هذه التقنية في المستشفيات أو المراكز الطبية المرخصة مثل مستشفى الوعي الجديد.

كما يمكنهم تقديم الدعم، والتوعية، والإرشاد لك، وللمقربين لك؛ لمساعدتك على تحسين قدرتك على التكيف، وزيادة مستوى رفاهيتك من خلال العلاج النفسي بأحدث التقنيات النفسية مثل:

  • علاج المعالجة المعرفية (Cognitive Processing Therapy)

صُممت هذه التقنية خصيصًا للتركيز على تغيير المشاعر السلبية المؤلمة مثل الخزي، والذنب، والمعتقدات الناتجة عن الصدمة بجانب مساعدة المريض على مواجهة الذكريات، والمشاعر المزعجة.

  • علاج إزالة التحسس وإعادة المعالجة بحركات العين (EMDR)

تتضمن هذه الطريقة تحريك المريض عينيه بطريقة محددة أثناء علاج الذكريات الصادمة بهدف مساعدته على الشفاء من الصدمة أو التجارب الحياتية المزعجة الأخرى. وبالمقارنة مع طرق العلاج الأخرى، فإن هذه التقنية حديثة نسبيًا، ولكن أثبتت عشرات التجارب السريرية فعاليته، وقدرته على مساعدة المريض بشكل أسرع من العديد من الأساليب الأخرى.

  • العلاج الجماعي

يشجع هذا النوع من العلاج الناجين من أحداث صادمة مشابهة على مشاركة تجاربهم، ومشاعرهم في بيئة مريحة، وخالية من الأحكام.

كما قد يساعد العلاج الأسري في التخلص من اضطراب ما بعد الصدمة، فقد تؤثر تحديات اضطراب ما بعد الصدمة  على الأسرة بأكملها.

  • العلاج بالتعرّض المطوّل (Prolonged Exposure Therapy)

يستخدم هذا العلاج تخيّلًا متكررًا، ومفصلًا للصدمة أو تعرّضًا تدريجيًا للمثيرات المرتبطة بالأعراض في بيئة آمنة، وخاضعة للسيطرة.

ويساعد ذلك على مواجهة الخوف، والتحكم فيه، وتعلم كيفية التكيف.

  • العلاج السلوكي المعرفي المرتكز على الصدمة 

يتضمن هذا العلاج التعرف على كيفية استجابة الجسم للصدمة، والتوتر، كما يشمل تحديد أنماط التفكير غير السليمة، وإعادة صياغتها، وتعلم مهارات التحكم في الأعراض، ويتضمن أيضًا العلاج المطوّل.

ما أفضل دواء لاضطراب ما بعد الصدمة؟ 

حاليًا، لا توجد أدوية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج اضطراب كرب ما بعد الصدمة بشكل مباشر، ومع ذلك، قد يصف الطبيب النفسي بعض الأدوية؛ للمساعدة في التخفيف من بعض أعراض الاضطراب، مثل:

  • مضادات الاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) أو مثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs).
  • الأدوية المضادة للقلق.

هل يمكن الوقاية من الإصابة باضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

لا يمكن بالضرورة منع حدوث حادث صادم، ولكن أظهرت بعض الدراسات أن هناك خطوات معينة قد تساعد في الوقاية من الإصابة به بعد ذلك، وتسمى هذه الخطوات بـ “عوامل الحماية”، وتشمل:

  • طلب الدعم من الآخرين بعد الحادث مثل الأصدقاء، والعائلة، مما يساعد على تعزيز الشعور بالأمان.
  • الانضمام إلى مجموعة دعم بعد حادث صادم.
  • تعلم الشعور بالإيجابية تجاه أفعالك في مواجهة الخطر.
  • امتلاك استراتيجية صحية؛ للتكيف بعد الحادث الصادم.
  • القدرة على التصرف، والاستجابة بفعالية رغم الشعور بالخوف.
  • مساعدة الآخرين خاصةً إذا كان الحادث الصادم قد أثر على عدة أشخاص مثل الكوارث الطبيعية.

الخلاصة 

قد يكون من الصعب طلب المساعدة بعد المرور بحادث صادم، ولكن قد يكون هناك أملاً في علاج اضطراب كرب ما بعد الصدمة مع مرور الوقت من خلال مساعدة المختصين في مستشفى الوعي الجديد للطب النفسي، وعلاج الإدمان حتى تشعر بتحسن، وتتأقلم مع هذه الذكريات المؤلمة، وتستعيد حياتك الطبيعية من جديد.

المصادر 

 

arArabic