من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي، فهي رحلة ليست سهلة، لكنها ممكنة، فبعد أن كان المخ أسيراً للمواد المخدرة، يبدأ تدريجياً في استعادة توازنه الطبيعي، وقدرته على التفكير، والشعور بوضوح، وتُ بن مسارات عصبية جديدة تعيد للإنسان قدرته على التحكم.
ما آثار الإدمان على المخ؟
يمكن أن تُحدث المخدرات تغييرات في مناطق مهمة من الدماغ ضرورية لوظائف الحياة الأساسية، كما يمكنها أن تدفع إلى السلوك القهري في تعاطي المخدرات الذي يُميز الإدمان، وتشمل المناطق التي تتأثر بتعاطي المخدرات:
-
من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي | العقد القاعدية
تلعب دورًا مهمًا في أشكال التحفيز الإيجابية، بما في ذلك الشعور بالمتعة الناتج عن الأنشطة الصحية مثل الأكل، والتفاعل الاجتماعي، والجنس، كما تشارك أيضًا في تكوين العادات، والروتين اليومي، كما تشكل هذه المناطق جزءًا رئيسيًا مما يُعرف أحيانًا باسم دائرة المكافأة في الدماغ.
وتنشط المخدرات هذه الدائرة تنشيطاً مفرطاً، مما يُنتج النشوة المرتبطة بتعاطيها، ولكن مع التعرض المتكرر، تتكيف هذه الدائرة مع وجود المخدر، فتنخفض حساسيتها، ويصبح من الصعب على الشخص الشعور بالمتعة من أي شيء آخر غير المخدر.
-
اللوزة الممتدة (extended amygdala)
تلعب دورًا في المشاعر المجهدة مثل القلق، والتوتر، والانزعاج، وهي المشاعر التي تظهر عند زوال تأثير المخدر، مما يدفع الشخص إلى البحث عن المخدر مرة أخرى، وتصبح هذه الدائرة أكثر حساسية مع زيادة استخدام المخدر، ومع مرور الوقت يبدأ الشخص المصاب باضطراب تعاطي المواد في استخدام المخدرات؛ لتخفيف هذا الازعاج المؤقت، وليس من أجل الشعور بالنشوة.
-
القشرة الجبهية الأمامية
تتحكم في القدرة على التفكير، والتخطيط، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، وضبط النفس أمام الدوافع، وتُعد هذه المنطقة آخر جزء ينضج في الدماغ، مما يجعل المراهقين أكثر عرضة للإدمان، ومع اختلال التوازن بين هذه الدائرة، ودائرتي العقد القاعدية، واللوزة الممتدة، يسعى الشخص المصاب باضطراب تعاطي المواد بشكل قهري وراء المخدر مع ضعف قدرته على ضبط النفس.
وفي إطار الحديث عن رحلة التعافي من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي، فتؤثر بعض المخدرات مثل الأفيونات أيضًا في أجزاء أخرى من الدماغ مثل جذع الدماغ الذي يتحكم في الوظائف الحيوية الأساسية مثل معدل ضربات القلب، والتنفس، والنوم، ويُفسر هذا الخلل سبب قدرة الجرعات الزائدة على التسبب في بطء التنفس، والوفاة.
كيف يؤثر الإدمان في المخ دون أن يتحول إلى مرض عقلي؟
عند الحديث عن رحلة التعافي من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي، إذ يُفسد الإدمان القدرة على اتخاذ القرارات، فالإدمان يُحدث تغييرات في الدماغ، لكن هذه التغييرات لا تعكس بالضرورة عملية مرضية، فقد يكون فهم المسارات التي تؤدي إلى الإدمان صعباً، فيُعد تعاطي المواد المخدرة نتيجة للاندفاع الشديد من المتعة التي يسببها، ويُعيد بسرعة توصيل دوائر الدماغ العصبية؛ لتصبح أكثر كفاءة في الرغبة، والسعي وراء المخدر.
وعند النظر لأول وهلة، قد يبدو أن حقيقة تغيّر طريقة عمل الدماغ بسبب الإدمان تدعم فكرة أن الإدمان مرض، غير أن هذه التغييرات تعكس في الواقع القدرة الطبيعية للدماغ على التكيف استجابةً للتجارب، وتُعرف هذه القدرة باسم اللدونة العصبية (Neuroplasticity)، وهي الأساس لكل عملية تعلم، وتغيير، وعلى عكس الأعضاء الأخرى، فإن الدماغ مصمم بطبيعته لكي يتغير.
كيف يتعافى الدماغ بعد الإدمان؟
خلال رحلة التعافي من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي، يبدأ الدماغ في التحرر من حالته السابقة؛ فالمناطق التي فقدت الترابط خاصة القشرة الجبهية الأمامية تستعيد تدريجيًا قوتها العصبية الطبيعية، ومع مرور الوقت، تُستعاد الوظائف التنفيذية للدماغ، فيسترجع الشخص قدرته على التحكم في الدوافع، ومشاعر الرغبة الشديدة.
وفي منطقة النواة المتكئة (nucleus accumbens)، تزدهر مجموعات جديدة من مستقبلات الدوبامين عند نقاط التشابك العصبي، مما يمنح الدماغ القدرة على الشعور بالحماس تجاه أهداف أخرى، وخصوصًا تجاه العلاقات الإنسانية، ومع هذا التعافي العصبي، يستعيد الشخص قدرته على الاستجابة للمكافآت الطبيعية في الحياة، مما يمهد الطريق للنمو النفسي الحقيقي.
أعراض التعافي من الإدمان
استكمالاً للحديث عن رحة التعافي من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي، فيوجد بعض العلامات التي تظهر وقت التعافي لتشير إلى مرور المريض برحلة علاج متكاملة، وهي:
-
تحسن الهالة الشخصية
يقول الخبراء إنك تستطيع أن تشعر بتعافي الشخص من أعماقك، فقط من خلال تحسن هالته، فالشخص المتعافي يبدو أكثر هدوءًا، وأقل جدلية، ومن العلامات الجيدة أنك ترغب بقضاء الوقت معه، والتحدث إليه لأنه أصبح رفيقًا لطيفًا ومريحًا، فهو لا يسبب توترًا أو قلقًا أو أي شعور بعدم الارتياح.
من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي، إذ يصبح المرضى في مرحلة التعافي غالبًا أكثر هدوءًا وتأملًا، إذ يميلون إلى استبطان تجربتهم مع التعافي، ولم يعودوا يتفاخرون بتجاربهم السابقة مع المواد المخدرة، بل أصبحت كلماتهم أكثر قيمة، ومعنى.
-
من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي والاعتراف بالمرض
من علامات التعافي أيضًا أن يعترف الشخص بأنه مريض فعلًا، ويحتاج إلى علاج عاجل، فالاعتراف الشخصي بأن الإدمان مرض يجعل المريض أكثر تواضعًا، واستعدادًا لتلقي العلاج، وتلاحظ أن الذي يسير في طريق التعافي لم يعد في حالة إنكار، بل يعترف بحاجته للمساعدة، ولا يقاوم العلاج، بل يتقبله بإرادة حقيقية.
-
تحسن العلاقات الاجتماعية
الشخص الذي يتعافى بصدق يغيّر دائرة أصدقائه، ويقطع علاقته بالأشخاص الذين شجعوه على الإدمان سابقًا، ويكتفي بدائرة صغيرة من الأصدقاء المقربين، والعائلة.
ويشكل هؤلاء نظام دعم إيجابي يساعده على الحفاظ على بيئة خالية من الإدمان، والإغراءات، كما يعملون كنظام للمساءلة يساعده على الالتزام بخطته العلاجية، فإن استبداله للأصدقاء السلبيين بأشخاص صالحين هو بحد ذاته دليل واضح على التعافي.
-
تغيير في البيئة
قد يغير الشخص المتعافي بيئته المعيشية؛ لتتناسب مع أسلوب حياته الصحي الجديد، وقد يُعيد ترتيب غرفته لتصبح أكثر إشراقًا، وبهجة؛ لتحفيز الأفكار الإيجابية، أو يملأ منزله بقطع الأثاث، والعناصر التي تُضفي السعادة، ويصبح بعض المرضى أكثر حرصًا على النظافة، والتنظيم بعد إدراكهم لتأثير البيئة على مستوى التوتر، والصحة النفسية، فيسعون إلى خلق مساحة تُعزز السعادة، والراحة النفسية.
-
من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي والاستعداد للعلاج
من أهم علامات التعافي رغبة المريض، واستعداده لحضور جلسات العلاج، واستكمال خطة التعافي، ويتضمن ذلك المشاركة في اجتماعات “مدمني الكحول المجهولين” أو “مدمني المخدرات المجهولين”، وحضور جلسات العلاج التكميلي أو برامج العلاج الخارجي.
كما يحافظ على تواصله المستمر مع المشرف أو الشريك الداعم له، مما يشير إلى أنه في مرحلة الشفاء النشط، ولم يعد يقاوم العلاج أو يحاول السيطرة على كل شيء، بل أصبح يتعاون، ويسلّم نفسه لعملية التعافي بثقة.
-
الابتعاد عن الأماكن المحفّزة للإدمان
يبذل المريض المتعافي جهدًا واعيًا لتجنب الأماكن التي قد تثير الانتكاس، مثل أوكار المخدرات أو الحانات أو الصيدليات أو أي أماكن ارتبطت بسلوكيات الإدمان السابقة.

متى يعود الدماغ إلى طبيعته بعد الإدمان؟
قد تستغرق إعادة برمجة الدماغ بعد الإدمان ما بين 28 يوماً إلى سنة أو أكثر، فلا يوجد جدول زمني محدد لذلك، ويرجع ذلك إلى أن أدمغة الأشخاص تختلف من فرد لآخر، كما تختلف أنواع الإدمان، ودرجاته.
إذا عولج الإدمان في مرحلة مبكرة، فقد تستغرق عملية إعادة برمجة الدماغ حوالي 28 يوماً فقط، أما إذا استمر لسنوات طويلة، فقد يحتاج إلى فترة مماثلة من السنوات لاستعادة التوازن الكامل للدماغ.
أظهرت الدراسات العلمية أنه بعد حوالي عام من الامتناع التام عن التعاطي، يبدأ الدماغ في العودة إلى مستوى نشاطه الطبيعي، ومع ذلك تعتمد المدة اللازمة للتعافي على عدة عوامل منها:
- مدة الإدمان.
- نوع المادة أو السلوك الذي كان الشخص مدمناً عليه.
- مشكلات صحية مصاحبة قد تؤثر على قدرة الدماغ، والجسم للتعافي الكامل.
الخلاصة
عندما نتحدث عن رحلة التعافي من الإدمان إلى الحرية كيف يتغير المخ بعد التعافي، فهي ليست مجرد توقف عن التعاطي، بل هي تحول عميق داخل الدماغ الذي كان أسيرًا للمواد المخدرة ثم أعاد بناء مسارات جديدة للحياة، ومع مرور الوقت، يستعيد الإنسان قدرته على الشعور بالمتعة الطبيعية، والتحكم في رغباته وانفعالاته.
