أصبح الإدمان مشكلة مجتمعية متفشية في الدول الفقيرة، والغنية، كما تفاقم مفهوم الإدمان حتى أصبح يشمل إدمان أشياء أخرى غير المخدرات مثل الكحول، أو تدخين السجائر، أو الجنس، أو القمار، أو الطعام التي تسبب أضرار جسيمة على الفرد، والمجتمع، فهل يوجد مفر من مرض الإدمان؟
الإدمان ما بيفرقش بين غني وفقير…الكل عُرضة للخطر!
“يصيب مرض الإدمان الفقراء فقط”، يُعد هذا المفهوم من الأخطاء الشائعة المنتشرة في مجتمعنا، إذ يُعتقد أن الإدمان يصيب الذين يفتقدون السلطة في حياتهم أو ضعفاء أخلاقياً.
ولكن هذا غير صحيح، إذ يُعد الإدمان مرضاً عقلياً مزمناً قد يعود بسبب الانتكاسة، والعودة إلى استخدام المخدرات من جديد دون النظر إلى العواقب.
الإدمان مش عيب في الشخصية…ده مرض ممكن يصيب أي حد
لا يدل الإدمان على وجود عيب في الشخصية، فقد يصيب أي ڜخص مهما كانت ظروفه أو مكانته المادية، والعلمية، والاجتماعية.
وتسبب استخدام المخدرات شعوراً بالنشوة، وكأن المدمن يكافيء نفسه، مما قد يؤدي إلى الاعتماد الجسدي والنفسي. ويسبب ما يُعرف بمتلازمة الأعراض الانسحابية عندما يحاول الفرد التوقف عن استخدام المواد المخدرة.
وترتبط دورة الإدمان بالتكيف العصبي مع وجود تحمُّل أو تحسُّس ناتج عن تأثير المواد الإدمانية، كما يرتبط مرض الإدمان بعدد من العوامل مثل:
- توفر المادة المخدرة بسهولة، وتكلفتها.
- طريقة تعاطي المادة المخدرة.
- العوامل البيئية مثل السلوكيات المقبولة في المجتمع، وتأثير الأقران، والعوامل الجينية والوراثية التي يكتسبها من البيئة المحيطة.
مش لازم تبقى في الشارع علشان تبقى مدمن
لا يعتمد مرض الإدمان على مكان تواجد المدمن، فكما ذكرنا في السابق لا يفرق الإدمان بين الغني، والفقير، فجميعنا مُعرضين للخطر، ونحتاج الوعي بمرض الإدمان حتى لا نقع فريسة له.
طالب، موظف، متعلم، مثقف…الإدمان مش بيسأل عن الفئة
يؤثر مرض الإدمان على ملايين الأشخاص كل عام، وقد تكون آثاره مدمّرة حتى لمسيرة أنجح الأشخاص مهنياً. إذ لن يخسر المدمن يومياً الدافع اللازم للتفوق في عمله.
وقد يكون من الصعب تكوين علاقات إيجابية مع الزملاء في العمل، وقد يكون الاستمرار في الوظيفة صعباً، بسبب ظهور أداء ضعيف في العمل.
وقد يؤدي عدم الاستقرار إلى البطالة، ويضعف الثقة بالنفس التي تحتاجها لإدارة حياتك المهنية بفعالية.
وعند إهمال علاج الإدمان، تنتهي مسيرتك، وسمعتك المهنية بسرعة، وبغض النظر عن النجاحات السابقة، فقد يؤدي الإدمان إلى فقدان فرص العمل المتاحة لك.
أما بالنسبة لرواد الأعمال، فقد يؤدي الإدمان إلى فشل مشاريعهم التجارية، ويشوه سجلّهم المهني بطريقة من الصعب تجاوزها، حتى وإن تمكّنوا لاحقًا من التعافي من الإدمان.
الإدمان مش له شكل واحد…له ألف وجه!
استخدام الأطباء على مر السنين عدد من الأساليب العلاجية للتخلص من إدمان المخدرات، والكحول، ولكن وقفت مرحلة الانتكاسة بالمرصاد في مرحلة العلاج حتى أصبحت أصعب من الإصابة في حد ذاتها.
ولذلك، كان العلاج الدوائي لإدمان المخدرات، والكحول مخيبًا للآمال، وهناك حاجة ماسة لأهداف علاجية، وفرضيات جديدة.
كما اعتقد الأطباء لعدة سنوات أن جميع المواد المخدرة تساعد على إفراز مادة الدوبامين في الدماغ التي تسبب الشعور بالمتعة، والنشوة، وتؤدي إلى الإدمان.
لكن العديد من المواد التي تم التوصل لها مثل المستنشقات، والباربيتورات، والبنزوديازيبينات لا تسبب انتقال الإشارات العصبية بمساعدة الدوبامين في الدماغ الأوسط بانتظام.
على الرغم من امتلاك هذه المواد خصائص مشابهة، ويسيء الإنسان استخدامُها على نطاق واسع.
لذلك، فإن الدوبامين لا يُعد مؤشراً على المكافأة أو النشوة، وقد لا يكون من المقبول بعد الآن افتراض أن المواد المخدرة تنشط “نظام المكافأة الطبيعي” في الدماغ.
وبناءً على ذلك، طرح العلماء اختبار فرضية النظام القنبيذويدي الداخلي (الإندوكانابينويدي) كمصدر لمكافأة المخدرات.
وقد أحرزت الأبحاث تقدماً كبيراً، إذ كشفت عن وجود نظام قنبيذويدي داخلي عند الحيوانات والبشر.
ويتكوَّن هذا النظام من جينات مشفرة لمستقبلات القنبيذويد (CB1-Rs و CB2-Rs)، ومواد رابطة داخلية تُعرف بالإندوكانابينويدات، بجانب بروتينات تصنع، وتفكك هذه الروابط القنبيذويدية الداخلية.
وتتوزع هذه المستقبلات في الدماغ، والأنسجة الطرفية، وتنشطها الإندوكانابينويدات التي تُعد المواد الفعالة في الماريجوانا.
وتشير النتائج إلى دور مستقبلات القنبيذويد في الأساس العصبي للإدمان، لذلك، تشارك القنبيذويدات، والإندوكانابينويدات في تعزيز التأثيرات المكافئة للمواد الإدمانية مثل النيكوتين، والأفيونات، والكحول، والكوكايين، والبنزوديازيبينات.
ويشير إلى أن هذا النظام قد يكون آلية تنظيمية طبيعية مهمة لمكافأة المخدرات، وهدفاً محتملاً لعلاج الاضطرابات الإدمانية.
ونظراً لغياب الأساليب العلاجية الفعالة للإدمان، فقد اكتشف الأطباء مفهوم الروحانية الذي يتعلق بالتعافي من الإدمان، والطب النفسي العام، مع وجود نتائج متفاوتة من مريض لآخر.
الإدمان مايعرفش طبقة اجتماعية ولا تعليم…يعرف بس الفرصة!
قد يصيب الإدمان أي شخص، بغض النظر عن طبقته الاجتماعية أو خلفيته العرقية أو الثقافية، ففي بعض الحالات، قد تكون تجربة واحدة كافية لتضع المريض على مسار خاطئ.
فقد تسبب الأدوية المسكنة الأفيونية الموصوفة طبيًا الإدمان إذا أسيء استخدامها، وهذا يعني أن أي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية معرّض للخطر.
الإدمان مش ضعف…ده مرض محتاج علاج مش حكم!
وغالبًا ما يكون من الصعب التعرف على العلامات المبكرة لتعاطي المواد المخدرة، فلا يدرك الأشخاص الذين يطوّرون اعتمادًا على المواد الكيميائية مدى خطورة إدمانهم إلا بعد مواجهة عواقب خطيرة.
ويتطور مرض الإدمان تدريجياً، وغالبًا ما تأتي الوعي بآثاره بعد فوات الأوان، مما يتسبب في أضرار جسيمة قد تصيب مسيرة مهنية أو مشروعاً ناجحاً.
ومع تفاقم استخدام المواد المخدرة، قد لا تلاحظ التأثيرات في البداية، لكن من المرجّح أن يلاحظها المحيطون بك في المنزل أو العمل.
وهذا يضع المدمن في موقف بالغ الحساسية، ويؤكد الحاجة الماسّة إلى التدخل المبكر، والحصول على الدعم دون إصدار أحكام على المدمن، فهو يحتاج إلى العلاج لا تأنيب الضمير.
مفيش مناعة من الإدمان…كلنا محتاجين وعي
نحتاج إلى بناء مجتمع أكثر فهماً، وتعاطفاً من خلال توعية الجمهور بطبيعة مرض الإدمان، فلا يزال هناك قدر كبير من الوصمة المرتبطة بهذه الحالة.
وربما تكون أكثر المفاهيم الخاطئة خطورة، وتدميراً هي الاعتقاد بأن الإدمان مجرد خيار شخصي أو نتيجة لفشل أخلاقي.
يسيء هذا الاعتقاد إلى فهم الطبيعة المعقدة لمرض الإدمان، ويتجاهل أبعاده النفسية، والفسيولوجية المتجذّرة. فالإدمان ليس أبدًا مسألة اختيار؛ بل هو اضطراب صحي عقلي مزمن وخطير.
ينشأ نتيجة عوامل متعددة، منها الاستعداد الوراثي، والاعتماد الجسدي، وكيمياء الدماغ، واضطرابات نفسية لم تُعالج، كما يؤكد الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية على الطبيعة القهرية للإدمان، وفقدان السيطرة على استخدام المواد المخدرة رغم العواقب الضارة.
وقد يكون تعاطي الكحول أو المخدرات اختياراً في البداية، لكن لا أحد مرّ فعلياً بالتجربة المدمّرة للإدمان سيختار هذه الحياة المريرة.
ابنك، أخوك، صاحبك…الإدمان ممكن يختار أي حد
لا تعتقد أن مرض الإدمان مقتصراً على أفراد بعيدون عنك، بالإدمان قد يصيب أي أحد إذا توفرت لديه الفرصة، فالمريض لا يختار الإدمان، بل يسيطر الإدمان على خاصية الاختيار ليصبح الجميع في خطر على حد سواء.
الإدمان مش بيختار ناس معينة…بس العلاج يبدأ باختيارك
تأكدنا أن مرض الإدمان ليس اختياراً، وإنما مرضاً عقلياً ينتظر الفرصة المناسبة لينقض على المريض حتى يصبح من الصعب الهروب منه.
ولكن العلاج هو الاختيار الوحيد الذي يختاره المريض، فحياة الإدمان ليست وردية لتختار الاستمرار فيها حتى الموت.
وتتعدد الأساليب العلاجية من الإدمان بدءاً من التخلص من الأعراض الانسحابية بمساعدة الأدوية مروراً بالتقنيات النفسية العلاجية.
الخلاصة
تأكدنا في هذا المقال من أن مرض الإدمان هو مرض عقلي، وقضية عالمية مؤثرة على جميع الطبقات الاجتماعية الغنية، والفقيرة على حد سواء، لذلك، مازلنا نحتاج الكثير من الأبحاث التي لا بد من إجرائها لفهم الأساس العصبي الحيوي لإدمان المخدرات، والكحول فهماً أفضل، ولتطوير أساليب علاجية فعّالة.